Homeالمدونةمقالاتاستجابة لنداء الواجب: مسيرة من العطاء والخدمة

استجابة لنداء الواجب: مسيرة من العطاء والخدمة

 

“أعد بأن أقوم بواجبي نحو الله وأن أساعد الغير وأن أعمل بقانون الكشاف” ، هذا العهد الكشفي الذي كنت أردده في مفتتح كل سنة كشفية منذ كنت شبلا في أوائل الثمانينات… تربينا في إطار المنظمة الكشفية على خدمة المجتمع وإسعاد الآخرين ونكران الذات والإيثار، تربينا على بذل الجهود وروح التطوع والمبادرة، مبادئ قيمة اكتسبناها بطرق وأساليب تربوية مرحة، وحاولنا ترسيخها في الواقع من خلال مشاريع تربوية شبابية عديدة… لعلّ تكويني كمهندس ومهنتي كمدرس بالجامعة  ساعداني على النجاح في تأطير الطلبة و الشباب وإطلاق مبادرات مجتمعية ثرية، انطلقت بعشائر الجوالة بالجامعات  حيث كنا نستغل هذه الفضاءات باعتبارها احدى الفرص المحدودة لتنوير عقول الشباب وحثه على التفكير الإيجابي وترك أثرا على المجتمع من خلال تنظيم أنشطة تربوية هادفة وحملات تحسيسية في الصحة والبيئة والطاقة ومنابر حوار بين الشباب الفاعل بعيدا على ثقافة الابتذال أو التوظيف السياسي. هذه المبادرات أنشأت نخبة من الشباب المتميز والمعطاء في بلدي، نخبة تمثلني، أثرت في شخصيتي وأزعم أنّي اثرت ايجابا في تكوينها الذاتي… أنشأت جيلا مميزا من الشباب الواعي والملتزم بقضايا شعبه والمستعد للتضحية من أجل خدمة الآخر.

الآخرهم أهالي مدينة الرديف، مدينة منجمية بالجنوب الغربي لتونس، مدينة شهدت في أكتوبر 2009 فيضانات كبيرة خلفت خسائر في الأرواح والممتلكات، الأهالي وجدوا مجموعة من 100 شاب متطوع من القيادات الكشفية المتميزة في خدمتهم وخدمة بلدتهم، شباب تدخل لمساعدة المتضررين من الكارثة وإعادة الحياة بالمدينة من خلال أعمال النظافة في المنشآت العمومية كالمدارس والمستشفيات والمساجد وفك العزلة على بعض المنازل المغمورة بالمياه والطين وفتح الطرقات والاحاطة بالمتضررين من الكارثة لاسيما الأطفال والمسنين.

الآخر هم مئات الآلاف الوافدين على الحدود التونسية إبان الثورة الليبية سنة 2011، وافدين من جنسيات مختلفة فروا من بطش الحرب ومن هول الصدمة، قدموا بما تيسر لهم من حمله بعد سنوات من العمل في ليبيا. حالة طوارئ كبرى شهدتها الحدود التونسية الليبية تطلبت تدخل المنظمات الاممية والدولية التي انبهرت بالمد التضامني الكبير للشعب التونسي الذي يعيش نشوة الحرية و الكرامة. محطة تاريخية شهدت ولادة مشاريع انسانية عديدة وواعدة.

الآخر هم سكان الشمال الغربي للبلاد التونسية، الذين تضرروا في شتاء 2012 من الفيضانات والثلوج وموجات متواصلة  من البرد القارس. سيّرت القوافل التضامنية من كل أنحاء البلاد وفتحت ملاجئ للذين تضررت بيوتهم وأكواخهم، وتواصل الدعم لمدة أسابيع كثيرة وسط مباركة من الجميع.

الآخر هم الأيتام والأرامل وذوي الاعاقة وذوي الدخل المحدود الذين وجدوا في المؤسسات الانسانية بابا للمساعدة والرحمة والأمل… 

الآخر هم اللاجئون السوريون الذين ضاقت عليه بلادهم وفروا من ويلات الحروب وسكنوا المخيمات والملاجئ وركبوا قوارب الموت على أمل الوصول إلى مناطق آمنة.

الآخر هو الشاب المعطل على العمل، الذي فقد أمله في الشغل بعد سنوات من البحث والانتظار والذي عاد له الأمل من خلال مؤسسات فتحت له مجال التكوين ودعم لمشاريع مدرة للدخل وترافقه حتى يحقق النجاح.

مشاهد مختلفة تواجهنا يوميا تصور معاناة فئات معينة من شعبنا، اخترت مع فريقي ان نقف الى جانبها وأن نساندها بما أوتينا من جهد وموارد. فتضاعفت الجهود وبنيت المؤسسات الإنسانية مستثمرة مناخ الحريات بعد ثورة الكرامة وتعاطف المجتمع الدولي مع الصورة المشرقة للشعب التونسي الذي أظهر تحضره وجدارته بهذا التغيير السلمي وبهذه التجربة الديمقراطية الفريدة من نوعها في المنطقة. استبشر الجميع بذلك الاّ “الأخر”…

الآخر هنا هو سياسي مفلس لم يملك قلوب العامة،  سلط كرهه وحقده على المؤسسات الإنسانية التي تعمل الى جانب المحتاج وخيّل له انها على تعمل لحساب خصمه الذي حصد ثقة الناس. 

الآخر هو الإعلامي المأجور الذي انتفع بالمناخ الجديد للحريات بالبلاد بالتغيير الذي لم يساهم فيه بل حاول مرار وأده في المهد،  والذي انتفع أيضا بالقوانين الجديدة التي تحمي الصحفيين  فصار يكتب المقالات التشويهية العاملين الانسانيين مقابل فتات ما يلقاه من الفاسدين .

الآخر هنا هو المسؤول المرتهن الذي ترعرع في مناخ من الفساد فصار يقف سدا منيعا أمام كل مبادرة او مشروع إنساني مميز، ويشترط منابه كي يوافق على التنفيذ…

الآخر هنا هو نسبة كبيرة من المجتمع الذين لا يبذلون أي جهد للتمييز بين الحقائق والافتراءات بين من يخدم مصالح الناس ومن يخدم مصالحه بالناس، يصدقون ما يسمعون ويساهمون بقصد او بجهالة بنشر الفتن وبتدمير مشاريع إنسانية تخدم البلاد والعباد.

للأسف في بلدي قوى الاعمار والبناء خلف الستار وقوى الدمار والفساد في الصدارة وفي الشاشات…

لذلك إن أردنا فعلا التغيير وإرساء مجتمع سليم ، علينا جميعا أن نتحد، وأن نتفق على ميثاق مجتمعي واحد وان يرتقي الجميع بالحوار وبالفعل، انا وانت والآخر…

د. عبد المنعم الدائمي – حرّر في تورنتو بكندا